الحمد لله رب العالمین والصلوة والسلام علی سید الأنبیاء والمرسلین وعلی آله وصحبه أجمعین.
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (الصف/8)
وبعد:
مقدمة:
هنالك غزوٌ فكري رهیبٌ یجوس خلال الدیار الإسلامیّة ویأكل مِنسأة المجتمع حتی إذا خرّ تبیّن هنالك الإنسان مدی خطورة وسرعة إبادة هذا الغزو العنیف الذي یتطلع علی الأدمغة والأفئدة فیذرها قاعاً صفصفاً لا تری فیها خیراً ولا أملاً.
لقد كان هذا الغزو المشئوم له تاریخ قدیم قدم صراع الحق والباطل، لكن ما أن لبث أن لبس أثواباً جدیدة في العصر الحدیث وأخذ یتنامی ویتضاعف علی مرّ الزمان كأنّه عفریت أو جانّ؛ أو حشایش شیطانیّة تمتصّ حیاة الزهور فأخذ یسري من الإنسان مجری الدّم، وینفث السموم في الرّوع فإذا بالإنسان المسلم یعدّ المخازي مفاخرَ، ورضا بالظلم طاعة، وقبول الإهانة تواضعاً، وترك الحقوق سماحة، والإقدام تهوّراً، والجهاد إرهاباً، والتصلّب في الدین رجعیةً، والشهادة في سبیل الله انتحاراً، والحرّیة وقاحةً، وإجراء الحدود همجیّةً.
هذا شأن جرثوم الغزو الفكري حیث حلّ ونزل فلا تبقي خیراً ولا تذر نوراً، فیصبح المرء مسلماً ویمسي كافراً یمرق من الدین مروق السهم من الرمیة، فهذا المهزوم فكریاً وثقافیاً یسیر إلی غازیه عن طواعیة وإلی جزّارها عن رضاً واقتناعٍ وحبّ لا تحاول التمّرد أو الخلاص، فیذوب وینسلخ عن عقیدته ومذهبه وحضارته لیصبح مسخاً شائهاً تابعاً لغیره رهین إشارته وطفیلي مائدته ومكبّرة صوته فیمسي مسلماً ویصبح كافراً – أعاذنا الله منه–
التعریف بالغزو الفكري:
الغزو الفكري هو "مجموعة من الشبهات والأغالیط مصوّغة صیاغة علمیة متقنة توجه إلی عقول المسلمین بطرق مختلفة وبأیدٍ شتی یراد منها تشكیك المسلمین في دینهم وحضارتهم ورجالاتهم بغیة وصولهم إلی تسخیرهم لمآرب عدوّهم وغایاتهم".
إذاً فالغزو الفكري هو الوسائل غیر العسكریّة التي اتخذها الغرب ومن في شاكلتهم لإزالة مظاهر الحیاة الإسلامیة وصرف المسلمین عن التمسك بالإسلام ممّا یتعلق بالعقیدة أو الأخلاق والأفكار والتقالید وأنماط السلوك؛
فالغزو الفكري أعظم من الغزو العسكري؛ لأنّ هذا یدخل علی الأمة من حیث لا تشعر، وأمّا ذلك فصدام مسلح مكشوف للجمیع ینفر النّاس منه بالطبیعة، فلیس أنكی علی الأمّة أن تختلس أبناءهم ثم تجنّد ضدّها وتدمّرها بأیدیهم فیترك هذا الغزو الخبیث في أقل مدّة ومؤنة أشدّ نكایة وتأثیراً ومفعولاً في المغزو، ویفعل في المسلمین ما لا تفعله الجیوش الجرّارة.
فالغزو الفكري قتلٌ معنويٌ یقتل الإیمان والعقیدة وفیه عبودیة لا یتحرر أبداً، ویعیش المرء حیاة لئیمة لفساد تصوراته وعقیدته فسیبقی حلقة ساقطة بین الأسلاف والأخلاف؛ لأنه انقطع صلته عن الماضي ویعیش حاضراً ألیماً، وینتظر مستقبلاً مظلماً {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} (النساء/143)
تاريخ الغزو الفكري الحديث
إن تاريخ الغزو الفكري يدل على دهاء اليهود وغفلة المسلمين، فلقد علم اليهود وكل الذين عادوا المسلمين أنهم في الحرب المباشرة يخسرون، والمسلم من أشجع الناس قلباً في الحرب، لاسيما إن استنفرته باسم الدين، فإنه يتطلع إلى جنة الله عز وجل، يشتاق إليها، لا ينظر إلى روحه، وهذه مسألة معلومة من وقائع السيرة النبوية والغزوات، والله عز وجل قال عن اليهود: { لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ } [الحشر:14].
لقد دخل اليهود معنا في معركة، ونحن في هذا العصر لم نلتفت إليها بل لم نحسنها، وهي معركة الغزو الفكري.
إن الحملة على الإسلام ومصادره قديمة، منذ بزغت شمسه، أما الغزو في ثوبه الجديد، فقد بدأ بعد فشل الحروب الصليبية، وذلك أن الصليبيين لما خسروا المعارك الحربية ضد الإسلام وأهله، ولم يتمكنوا من الاحتفاظ ببيت المقدس، فكروا في حروب أخرى للقضاء على الإسلام الذي هو سر قوة المسلمين ومصدر توجيههم فلجأوا منذ ذلك الوقت إلى الغزو الفكري، يقول غاردنر: "لقد خاب الصليبيون في انتزاع القدس من أيدي المسلمين ليقيموا دولة مسيحية في قلب العالم الإسلامي..." ثم يقول: "والحروب الصليبية لم تكن لإنقاذ هذه المدينة بقدر ما كانت لتدمير الإسلام"، أما ليفونيان فيرى ـ وهو على حق ـ "أن الحروب الصليبية كانت أعظم مأساة نزلت بالصلات بين المسلمين والنصارى في الشرق الأدنى، لقد أحب الصليبيون أن ينتزعوا القدس من أيدي المسلمين بالسيف ليقيموا للمسيح مملكة في هذا العالم، إنهم لم يستطيعوا أن يقيموا تلك المملكة، ولكنهم تركوا بعدهم العداوة والبغضاء، خابت دول أوروبا في الحروب الصليبية الأولى من طريق السيف، فأرادت أن تثير على المسلمين حربًا صليبية جديدة من طريق التبشير
أبرز مدارس الغزو الفكري
= العلمانیة: وهي تسعی لإبعاد الإسلام من الحلبة فهم یخشونه، ویخافون منه ویحسبون له ألف حساب، ولذلك بذلوا ویبذلون جهدهم الجبار لإقناع الشباب بقضیّة فصل الدین عن الدولة واستبقاء الدین للعبادة فحسب وعزله من مكانته القیادیة في المجتمع الإسلامي.
= الحداثة: أو (تحدیث الإسلام) دعوة استكباریة معادیة للإسلام ظاهرها جمیل براق وحقیقتها سمّ رعاف تعد ردّ فعل عنیف علی الإسلام ومع ذلك تهجین الإسلام (ومسخه) أو قصره علی الأمور شكلیة وتفریغه عن محتواه.
ومن دعوة الحداثة الزائفة هذه تفســـیـر النصــــــوص الدینیة بالتفاسیر الاعتباطیة المدسوسة المسمومة مما یفرغ الدین عن محتواه الأصلي وجَعلِه جراباً یُوضع فیه ما یرید هؤلاء من الأفكار المستوردة الغربیة عن الإسلام باسم الإسلام الحدیث أو تحدیث الرؤیة الدینیة.
= الاستشراق: فهو أخطر مدرسة لمحاربة الإسلام بالإسلام، فالاستشراق هو تلك الدوائر التي رصد لها العقول والأصول وتوفرت علی دراسة الإسلام دراسة ناقدة لتبحث عن الثغرات، ورجالها غالباً من الیهود أو رجال الكنیسة.
= التبشیر: وهو جناح آخر لدعم الغزو الفكري وهو الجانب العلمي والحركي بینما كان الاستشراق الجانب النظري والعلمي.
= الاستعمار العسكري والاقتصادي والسیاسي:
حیث یفرّق الدول الفقیرة بدیون تكبلها ثم یتدخل في شؤونها الداخلیة والخارجیة بدعوی حفظ مستحقاته ودیونه وقد یلجأ إلی الاستعمار العسكري وإقامة القواعد الدائمة ثم یعمل علی بث أفكاره ومبادئه بین أبناء تلك الشعوب عن طریق حكامها أو عن طریق الأقلام المریضة للعملاء الذین یصفیهم أو یشتریهم من أهل تلك البلاد.
= الماسونیة والصهیونیة: وهي حركات سرّیة عنصریة استخدمت الشیوعیة والاستعمار في هدم الأدیان والقیم الدینیة والسیطرة علی الشعوب النّامیة، والتخطیط لقیادة العالم والاستیلاء علی مقدرات الأمم.
= عملاء الاستعمار من الوطنیین: هؤلاء یروّجون للأفكار الدخیلة سواء منها ما ینتمي إلی المعسكر الشرقي أو المعسكر الغربي، وهؤلاء یدعون إلی تغییر الأحكام الشرعیّة؛ لأنها قاسیّة، ولم تعد صالحة للتطبیق.
= تلامیذ المستشرقین والمبشرین: ممّن درسوا علی أیدیهم أو تتلمذوا علی أفكارهم، ولم ینالوا الشهادات العالمیة من ماجستیر ودكتوراة إلا بعد تردید هذه الأفكار والاقتناع لها والدفاع عنها.
= الفرق الضالة المرتدة عن الإسلام: یُغذّي الاستعمار ویقف علی جانب الفرق الضالة حتی اثمرت دعواتهم الباطلة مثل البابة والبهائیة، والقادیانیة وغیرها من الحركات التي ادعت زوراً وبهتاناً أنها حركات تجدید وإصلاح في الإسلام.
= الخدمات الاجتماعیة: وهي مظهر من مظــــــــــاهر الغزو الفكري، وقد وجد المخططون لغزو العالم الإسلامي، أنّ الخدمات الاجتماعیة قراین تساعد علی إمرار ما یراد إمراره من خلال الخدمات الاجتماعیة، ولذلك أصبحت الملاجئ، والمستشفیات، والمستوصفات، والجمعیات الخیریة ووكالات الإغاثة، ودور الأیتام والمسنین وغیرها مراكز الغزو التي یستغل فقر الشعوب وعریها والعواطف والجوع الجنسي وربط الإحسان بالتبشیر.
أسالیب الغزو الفكري
التشكیك في القرآن؛ یقول جلادستون رئیس الوزراء ببریطانیا:« مادام القرآن موجوداً فلن تستطیع أورُبّا السیطرة علی الشرق، ولا تكون هي نفسها في الأمان».
تهمیش الإسلام وسوء توظیفه وفهمه واتخاذ البدیل عنه.
تشكیك المسلمین بقیمة تراثهم الحضاري وإضعاف ثقتهم فیه.
التدخّل في التعلیم والثقافة؛ یقول القس زویمر: المدارس أحسن ما یعول علیه المبشرون في التحكم بالمسلمین.
محاولة تشویه عقائد المسلمین بغیر سندٍ ولا دلیل.
محاولة تشویه شخصیة الرسول صلی الله علیه وسلم، وهي محاولة قدیمة وحدیثة ومستمرة.
محاولة تشویه التاریخ الإسلامي هذه المحاولة من أخبث المحاولات، فقد صوّروا هؤلاء الحاقدون علی الإسلام والمسلمین أنّ الفتوحات الإسلامیة فتوحات غزوٍ واستعمار.
اتهام القوانین والنظم الإسلامیة بالرجعیة وعدم القدرة علی مواكبة ركب التحضّر والتقدّم.
اتهام القوانین والحدود علی اعتمادها بالوحشیة أو الهمجیّة أو القسوة خاصة فیما یتصله بالرجم، والقطع، والجلد.
تشویه شخصیة الأسلاف والرجال والصالحین والحیلولة دون خدماتهم الجلیلة.
إضعاف روح الجهاد والدفاع عن الأمة لمقاومة هؤلاء الغزاة.
إضعاف عقیدة الولاء والبراء.
الحیلولة بین المسلمین وتمكنهم من التقنیة الحدیثة وتزهیدهم فیها.
إثارة نعرات العرقیة باسم إحیاء الحضارات القدیمة، والتراث القومي للشعوب والأمم.
استغلال وسائل الإعلام لترسیخ القیم الاستهلاكیة الغربیة في المجتمع الإسلامي.
إفساد الخلقي والسلوكي وإهباط من قمّة كمال الإنساني إلی حضیض الرذیلة.
أهداف الغزو الفكري والعوامل المساعدة له الطمع في خیرات العالم الإسلامي ونهبها عن طریق استعباد المسلمین.
إذلال المسلمین لشفاء الأحقاد في نفوسهم علی الإسلام.
تسخیر المسلمین لرغبات السادة المستعبدین.
المكر للمسلمین للعداوة الدینیة المتأصلة في نفوس الغزاة.
إضعاف شأن المسلمین وكسر شوكتهم كي لا یفكروا یوماً بمقارعة أعدائهم.
الخواء الأخلاقي والتربوي لدی كثیر من الناشئة المسلمین لفقدان التربیة الحق.
الخواء الفكري عند المسلمین وقلة الوعي الإسلامي والتخلف عن ركب الحضارة وتقدم الغرب العلمي.
انعدام الوسطیة وفشوّ خلاف المذموم وانتشاره بین العلماء والكتاب.
عدم التكامل في شخصیة العلماء الدعاة في الأعم الأغلب بحیث ینقص العالم الداعي عنصر من العناصر المهمة في جهاده وهي ثلاثة: العلم الصحیح، والتربیة الصحیحة، وشروط الدعوة والجهاد في سبیل الله.
عدم تحقق الاستقلال الثقافي والتربوي والتعلیمي في الشعوب الإسلامیة المستقلة سیاسیة.
الفراغ التربوي في كثیر من بلاد العالم الإسلامي، فنسبة الأمّیّة عالیة في معظم البلاد الإسلامیة، والكثیرون محرومون من تربیة تنمّي مواهبهم.
موالات حكام المسلمین للغرب.
العداء الصلیبي للإسلام والمسلمین؛ یقول لورانس بارون:« إنّ الخطر الحقیقي كامن في نظام الإسلام وفي قدرته علی التوسّع والإخضاع، وفي حیویته، وإنه الجدار الوحید في وجه الاستعمار الغربي».
طرق محاربة الغزو الفكري
الوعي الإسلامي وانتشاره بكل طرق النشر من خطابة وتدریس وكتابة وتألیف وتجوالٍ.
إقامة المراكز العلمیة وفتح المدارس والمعاهد العلمیة الشرعیة والعصرية مع الإشراف علی المناهج.
إقامة الجامعات والكلیات الإسلامیة ودعمها حسیّاً ومعنویاً.
بناء المراكز العلمیة وإقامة المحاضرات وإصدار المجلات الإسلامیة بأقلام واعیة.
التركیز والاستقامة علی الوسطیة بمعناها الإسلامي الشامل في الأمة ومفكریها وعلمائها.
التوعیة بالتاریخ الإسلامي وبیان أهمیته، وبیان ما ألصق عليه من التهم.
العنایة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتوسیع نطاق عمله، وتشجیع قائمین به، وحمایتهم، وتوعیتهم، وتثقیفهم لیقوموا بعملهم علی أفضل وجه.
السعي الدؤوب للتكامل في فهم الإسلام.
تفتیت الغزو الفكري، ورد حملاته، والوقایة، والعلاج للحالة الراهنة، والهجوم علی الغزو الفكري بغزو فكري معاكس؛ أعني نحارب الاستشراف بالاستغراب؛ فإنه یُقرع الحدید بالحدید، والتیار بالتیار مثله أو أقوی منه.
إنشاء المستوصفات والملاجئ ورعایة الأیتام واللقطاء والمسنین ویصاحب ذلك توعیة إسلامیة وتبشیریة بالإسلام.
تقدیم ید العون أو المساعدة بالعلم والخبز والعلاج، فعلی المسلمین أن یعملوا أضعاف ما یعمل المبشرون، ویزیدون علیهم، وذلك بتوافر الإمكانات المادیة والطاقات البشریة.
إدخال مادة الغزو الفكري كمقرر إجباري یدرسه طلاب الثانویة والجامعات؛ لمعرفة هذا الخطر الذي یهدد كیانهم، ویقضي علی الإسلام من داخله.
التربیة الإسلامیة إلی تحقیق تلك الأسس والوسائل التي تحدثنا عنها تربیة إسلامیة یمكن بها إعداد جیل صالح مستقیم، وبهذه التربیة نضمن حصانة الأجیال من الانحراف.
تطبیق الحكم الشرعي علی المروجین للأفكار الهدامة.
وختاماً
یجدر بمن یرید إعادة المجد إلی الإسلام ورفع رأیته خفاقة في جمیع أصقاع الأرض، أن یمعن النظر الثاقب والفهم الدقیق بقلب عامرٍ ألماً وأملاً للإسلام في ما قاله الشیخ عبد الرحمن حسن الحبنكة في كتابه "أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها":
إن اليد التي يمكن أن تضغط على زناد المدفع، فتنطلق منه قذيفة تدك بنياناً شامخاً، والتي يمكن أن تحرك مفتاحاً فينبعث منه صاروخ يروّع ويقتل ألوفاً من الناس، والتي يمكن أن تغمز زراً في آلة فتندفع منها قنبلة ذرية أو هيدروجينية فتدكّ مدينة، وتقتل شعباً، وتقوّض حضارة، والتي يمكن أن تخطّ أمراً إلى جيش فيتوجّه إلى حربٍ طاحنة يتحكم بها ويوجّه حركاتها - نفس صاحبها التي تسيطر عليها فكرة مهيمنة على عقله فعواطفه فإرادته.
من هذا يظهر لنا أن الفكرة من وراء القوى الإنسانية أقوى قوة تتحكم بهذه القوة، وأقدر الناس على التحكم بالقوى المادية هم أقدرهم على تزويد العقول بالأفكار التي يريدون إقناع العقول بها، وأعجز الناس في ذلك هم أكثرهم تهاوناً ببث الأفكار التي يمكن أن تخدم غاياتهم.
وقد أدرك أعداء الإسلام هذه الحقيقة، وهالتهم قوة المسلمين الضاربة في أكثر من نصف المعمورة أيام كان للمسلمين تلك القوة، فأخذوا يحركون جيوش الغزو الفكري من كل مكان، ويوجهونها شطر بلاد المسلمين، ليهدموا الوحدة الفكرية الناظمة لهم في سلك وحدة جماعة المسلمين، ولتكون مُحدَثات الأفكار التي تدخل إلى أفرادهم بمثابة جيش سحري غير مرئي، يمعن في صفوف المسلمين قتلاً وتشريداً، ويمعن في قلاعهم هدماً وتخريباً، دون أن يصيبه سهم واحدٌ في هذه الحرب الخبيثة، التي يغفل عنها السواد الأعظم من الذين توجّه ضدّهم هذه الحرب.
ألا وإن من واجب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يتنبهوا إلى هذا الغزو المركز على عقولهم وقلوبهم ونفوسهم أفراداً وجماعات، ويفيدوا من خطط أعدائهم، ويحملوا أفكارهم ومعارفهم الحقة إلى العالم أجمع، وليس عليهم في إقناع الناس بالإسلام كبير عناء، يكفيهم أن يعرضوا تعاليمه عرضاً منطقياً ميسراً بألسنتهم وأقلامهم، وأن يلتزموا بمنهج الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وأن يحملوا أنواره بأعمالهم وتطبيقاتهم، ويخلصوا لله في أقوالهم وأعمالهم، وما أسرع ما يقطفون ثمرات جهودهم وافرة بإذن الله تعالى، وتوفيقه ونصره المبين.
إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عریض